عقوبات واشنطن تهدد بإعادة صناعة الرقائق الصينية إلى "العصر الحجري"

بعد عامين على فرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية على شركة "هواوي" الصينية، انخفضت إيرادات الشركة وخسرت مكانتها الريادية في قطاع معدات شبكات الاتصالات والهواتف الذكية، وأبلغ مؤسّسها الموظفين أن بقاءها "بات على المحك".

2022/10/11   802

تستعد صناعة الرقائق الصينية بأكملها الآن لمواجهة مشكلات مماثلة، إذ تطبّق واشنطن الأدوات التي اختبرتها على "هواوي"، على نطاق أوسع، كما أوردت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

ضوابط التصدير الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة الجمعة، تمنع بيع الصين أشباه الموصلات المصنّعة بواسطة التكنولوجيا الأميركية، لاستخدامها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء وأجهزة الكمبيوتر العملاقة، سوى بترخيص تصدير، سيكون نيله صعباً جداً.

إضافة إلى ذلك، تمنع الولايات المتحدة مواطنيها أو شركاتها من العمل مع منتجي الرقائق في الصين، إلا بموافقة محددة. كذلك تفرض التدابير الأميركية قيوداً صارمة على تصدير أدوات وتقنيات تصنيع الرقائق إلى الصين، بحيث يمكن أن تستخدمها لتطوير معداتها الخاصة.

وقال زيهو نج، المدير العام لشركة China Renaissance المالية الصينية: "(أقولها) بعبارة ملطّفة، (الشركات الصينية) تعود أساساً إلى العصر الحجري".

 

خسائر بالمليارات

أما بول تريولو، وهو خبير في شؤون الصين والتكنولوجيا بشركة Albright Stonebridge الأميركية للاستشارات، فرجّح أن "يكون هناك كثيرون من الخاسرين؛ لأن تسونامي التغيير الذي أطلقته القواعد الجديدة يلفح بقوة أشباه الموصلات والصناعات المرتبطة بها".

وأضاف أن التأثير سيكون عميقاً بشكل خاص لدى الشركات الصينية التي تستخدم أجهزة أميركية المنشأ لنشر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المركبات ذاتية القيادة والخدمات اللوجستية، إضافة إلى التصوير الطبي ومراكز البحث التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأدوية ونمذجة الاحتباس الحراري.

وتابع: "التأثير الكامل سيستغرق بعض الوقت كي يتضح، ولكن على الأقلّ سيُبطئ الابتكار في الصين والولايات المتحدة، ما يكبّد المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة في نهاية المطاف (خسائر) بمئات الملايين أو حتى مليارات الدولارات".

 

سلاح ضوابط التصدير

تُطبَّق العديد من ضوابط التصدير الجديدة، من خلال شركات مصنعة للرقائق في دول أخرى، إذ إن كل أشباه الموصلات تقريباً تُصمّم باستخدام برمجيات أميركية، كما أن غالبية مصانع الرقائق تحتوي على آلات أميركية.

وقال بريدي وانج، وهو محلل في شركة أبحاث سوق التكنولوجيا العالمية Counterpoint: "يمكنك النظر إلى هواوي كدراسة حالة". وأضاف أن الشركة الصينية لا تزال تستطيع الحصول على بعض الإمدادات، ليست الأكثر تقدّماً، بل تلك المصنّعة في حقبة سابقة، ما سيحدّ من وظائف منتجاتها.

تُعدّ الضوابط الجديدة على معدات أشباه الموصلات سلاحاً قوياً أيضاً، يستهدف الشركات المصنّعة الأساسية وأبرز منتجي الرقائق، بحسب "فاينانشيال تايمز".

وذكر محللون في "بنك أوف أميركا" أن القيود على المعدات ستمسّ الرقائق المصمّمة في السنوات الأربع إلى الخمس الماضية، وشرائح Dram المصمّمة بعد عام 2017. وقال واين لام، وهو محلل في شركة CCS Insight لأبحاث التكنولوجيا: "إنهم متخلفون في التكنولوجيا ويعتمدون على الأدوات والتكنولوجيا القديمة".

 

أميركيون في شركات صينية

وتشعر شركات الرقائق الصينية بقلق أكبر، بشأن محاولات الولايات المتحدة لمنع مواطنيها من دعمها. ونقلت "فايننشال تايمز" عن مسؤولة تنفيذية للموارد البشرية في مصنع لأشباه الموصلات تدعمه الدولة الصينية، قولها: "هذه قنبلة أكبر من منعنا من شراء معدات. لدينا (حاملي جوازات سفر أميركية) في شركتنا، في بعض أهم المناصب".

ووصفت هؤلاء بأنهم "سلاح أساسي" لتطوير التكنولوجيا، مضيفة: "علينا إيجاد طريقة كي يواصل هؤلاء الأشخاص العمل في شركتنا. هذا أمر صعب جداً. معظم الناس ليسوا مستعدين للتخلّي عن جوازات سفرهم الأميركية".

معظم المواطنين الأميركيين في قطاع الرقائق الصيني، هم صينيون وتايوانيون عائدون من الولايات المتحدة. لا إحصاءات بشأن حجم هذه المجموعة، لكن مسؤولاً في أجهزة الاستخبارات التايوانية قدّر أن نحو 200 من حاملي جوازات السفر الأميركية يعملون في شركات أشباه الموصلات الصينية.

تجدر الإشارة إلى أن القيود تتجاوز تلك المجموعة، إذ قال مسؤول تنفيذي في شركة مورّدة لمواد أشباه الموصلات إن مؤسّسته ستُضطر إلى إبدال جميع موظفي المبيعات والدعم الفني الأميركيين، الذين يُرسلون إلى عملاء صينيين.

 

ضربة لشركات أجنبية

ثمة تهديد آخر لصناعة التكنولوجيا بأكملها في الصين، يتمثل في شرط الترخيص الجديد لتصدير الرقائق لاستخدامها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء.

وقال دوجلاس فولر، وهو خبير في صناعة أشباه الموصلات الصينية في "كلية كوبنهاجن للأعمال": "يكمن بيت القصيد من (هذه) السياسة، في عرقلة جهود الصين في (قطاع) الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، على الأقلّ تلك المتعلّقة بالجيش، مع الأضرار الجانبية التجارية من وجهة نظر الحكومة الأميركية".

ويُعتقد أيضاً بأن بعض أضخم شركات التكنولوجيا في الصين، مثل "علي بابا" و"بايدو"، معرّضة للخطر. وقال بريدي وانج: "سيتباطأ تقدّم البحث والتطوير برمّته".

ويُرجّح خبراء أن تعاني شركات تصميم شرائح الذكاء الاصطناعي في الصين. وقال مسؤول تنفيذي في صناعة الإلكترونيات التايوانية: "إذا خسرتَ الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي، فستخسر ديناميكية الابتكار لديها".

كذلك ستتعرّض شركات أجنبية مورّدة لضربة قوية، إذ إن سوق أشباه الموصلات في الصين يعادل الآن نحو ربع الطلب العالمي.

وشكّلت الصين العام الماضي 33% من مبيعات شركة Applied Materials الأميركية المصنّعة للمعدات، في مقابل 31% لنظيرتها Lam Research، التي أشارت في تقريرها السنوي إلى Yangtze Memory Technologies، أضخم شركة لتصنيع شرائح الذاكرة في الصين وتستهدفها الولايات المتحدة تحديداً في قواعدها الجديدة، بوصفها عميلاً مهماً. ويُقدر "بنك أوف أميركا" أن 6 إلى 7% من مبيعات Lam Research مخصّصة للشركة الصينية.

ويتوقّع المصرف أن تمسّ القيود الأميركية 10% من مبيعات شركة "إنتل"، إذ إن معالجات متطوّرة كثيرة تصنعها، تُستخدم في أجهزة الكمبيوتر العملاقة الصينية.

 

"استقلال تكنولوجي"

في المقابل، ثمة محللون يعتقدون بأن هذه الإجراءات ستفيد صانعي الرقائق الأجانب. وقال أكيرا ميناميكاوا، وهو محلل لقطاع أشباه الموصلات في شركة "أومديا" للأبحاث، إن الدافع الأساسي للولايات المتحدة في إبطاء تطوّر الصين في تكنولوجيا أشباه الموصلات الأكثر تقدّماً، سيفيد شركات تصنيع الرقائق الأجنبية الرائدة، مثل "شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية"Taiwan Semiconductor Manufacturing Company  أو "إنتل".

واعتبر كيم يونج وو، رئيس الأبحاث في شركة SK Securities الكورية الجنوبية للخدمات المالية، أن امتناع واشنطن عن فرض حظر شامل على إمدادات المعدات لشركات تصنيع الرقائق الأجنبية العاملة في الصين، قد يساعد شركات أشباه الموصلات الكورية الجنوبية، مستدركاً أن الحاجة لتراخيص التصدير ستثير متاعب.

 

الرد الصيني

كيف ستردّ الصين؟ نقلت "فاينانشيال تايمز" عن شخص مطلع على هذا الصناعة في بكين، قوله: "نحن في حلقة سلبية إذ تواصل الولايات المتحدة الضغط من أجل فرض قيود، الأمر الذي يدفع الصينيين إلى السعي لتحقيق استقلال تكنولوجي، والذي بدوره يدفع الولايات المتحدة نحو (فرض) قيود أكثر صرامة". ورأى أن ذلك "سيدفع الصينيين للبحث عن بدائل، ولكن مع الاعتراف بأن عقوداً تفصلنا عن (إيجاد) بدائل للتكنولوجيا الأميركية".

وأضاف: "قد يؤدي هذا الوضع إلى مزيد من سرقة الملكية الفكرية، علماً بأن بعض المعدات الخاضعة الآن لضوابط التصدير، مُستخدمة بالفعل في الصين، التي قد تتجاهل حقوق الملكية الفكرية وتطبّق هندسة عكسية لتلك الآلات، من أجل تعزيز صانعي المعدات المحليين". وختم قائلاً: "ربما نطلق النار على أقدامنا".

 

المصدر: الشرق

اضافة تعليق